الثلاثاء، 5 يونيو 2018

الرئيسية تمرين على الموت ــــ يوسف الطويل ـ ولاية الوادي ـ الجزائر.

تمرين على الموت ــــ يوسف الطويل ـ ولاية الوادي ـ الجزائر.



تمرين على الموت
****************

 أتمرّن على الموت، أجلس في زاوية المقهى، أحرّك سكّرا شديد البياض في قهوتي الزنجية، أحاول جاهدا أن أصالح ذاتي، السكر يرفض الذوبان، المرارة تقاوم الحلاوة، والباب يقاوم الريح الفضولية التي تريد ان تستكشف المكان، وحدي كنت مستسلما لهواجسي، أركل القط الذي يتمسح برجلي لكنه كذلك يقاوم، أعتذر للمتسولة مرات عديدة لكنها تقاوم وتعود، أحلامي المهزومة وذكرياتي أصبحت تسبح في بركة من السراب وآمالي المنتهية الصلاحية تجعلني أمارس طقسا وثنيا للعشق، أحدق في شكلي المنعكس على الزجاج المتسخ، أتأمّل هذا الكائن الغريب عنّي الذي أعتقد أنه أنا، أسخر منّي خفية عنّي كي لا أغضب منّي، أنظر خلسة إلى الجريدة التي يرفعها شخص يجلس غير بعيد، أتطلع في العناوين التي تكرر نفسها، هي كالعادة ملأى بالجثث و الكوارث والاحتجاجات الأبدية، يصدر جهاز تسجيل قابع خلفي أغاني مختلفة، طربية وشبانية، أندلسي، شرقي، عربي، وأجنبي، وقبائلي، كأنّ النادل يريد إرضاء كلّ الأذواق، لكن للأسف يفسد كلّ الأذواق، أصوات طرق على الطاولة وصراخ لمجموعة غير متجانسة من الرجال يلعبون الديمنو، أصوات المحركات والمزامير في الخارج لا تخجل من اقتحام المكان، سحابة دخان السجائر المتصاعد من الشفاه الزرقاء يزداد قتامة، لا بد أن اكتب شيئا ما، أدخل يدي لجيبي، أخرج رزمة أوراق، فاتورة كهرباء و غاز، فاتورة ماء، قصيدة غير مكتملة، ورقة بها طلبات تسوق للعائلة، ارقام هواتف لأشخاص غير مهمين، عريضة وقعها أهل الحي احتجاجا على غياب عمال النظافة عليّ أن أوصلها للبلدية، ووصفة دواء بخطّ رديء، لا ورقة بيضاء فالسواد يستلقي على كل الصفحات، وحده الصك البريدي ما زال ينعم بالبياض، وماذا عساني اكتب فيه وهو بدون رصيد، هواجسي تتفرع كأغصان شجرة زيتون يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه النار، رغم أنها بداخلي تتلتهم كلّ أفكاري الثلجية، أضع ورقة الشيك على الطاولة وأخرج قلمي من غمده، أوضب كرسيا يليق بقصيدة فاخرة ، أمسح عنه ذرّات الغبار، أجلس لساعات وموعدي مع القصيدة فات، ألتمس لها الأعذار وأقول أنها ربما علقت في زحمة المرور، ينتهي اليوم ولا تأتي وبالي يزيد عليها انشغالا، يبدو أنها مثلي تتمرّن على الموت.

يوسف الطويل ـ ولاية الوادي ـ الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.